محاضرات: المحاسبة الوطنية (أ.حجاب عيسى)
محاضرات: المحاسبة الوطنية (أ.حجاب عيسى)
تعد المحاسبة القومية أو الوطنية وما ينتج عنها من معلومات مؤطرة ضمن ما يسمى بـ"الحسابات الاقتصادية القومية": من أهم أدوات البحث والتحليل الاقتصادي التي تساعد الباحث على تفهم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ودراسة تطورها.
فهذه الحسابات تزود المهتم بشؤون التحليل الاقتصادي والاجتماعي بإطار عام شامل لمختلف المجاميع الاقتصادية والمؤشرات الرئيسية التي تصور الحياة الاقتصادية وتعكس تفاعلاتها المختلفة من إنتاج واستهلاك وادخار واستثمار واستيراد وتصدير.
في الواقع، إن اقتصاد كل دولة يتألف من مجموعة من التنظيمات المتشابهة والمعقدة والتي لها أبعاد مختلفة من حيث تأثيرها على واقع الحياة الاقتصادية، وضمن هذا الإطار من التنظيمات تتم العمليات والصفقات في كل أوجه النشاط الاقتصادي وتتعلق هذه العمليات بالفعاليات الأساسية للحياة الاقتصادية، ولما كانت الإحصاءات التي تصف هذه العمليات والصفقات تشكل مجموعات ضخمة العدد من عناصر النشاط الاقتصادي كان لابد من تبويب هذه الإحصاءات وتلخيصها بشكل متوازن منسجم يبرز خواص هذه الإحصاءات ويسهمل استعمالها ويساعد على تحليلها ومقارنتها للاستفادة منها في البحث العلمي ورسم السياسة الاقتصادية.ذ
لهذا لجأ الاقتصاديون و الاحصائيون إلى إيجاد أنظمة أو إطارات محاسبية خاصة يرتبون بواسطتها هذه الإحصاءات على شكل حسابات على مستوى الاقتصاد الوطني (القومي) تظهر وفقا للأساليب المحاسبية جانبي المنشأ (الموارد) والاستعمال (الاستخدام) لكل عنصر من العناصر الرئيسية كما هي محددة بموجب تلك الأنظمة أو الإطارات و الأشكال.
إذن يقصد بالحسابات القومية " البناء أو الهيكل أو الوعاء الذي تنصب فيه جميع الإحصاءات الاقتصادية لتنصهر فيه ويعاد عرضها بشكل مرتب منسجم متوازن يظهر جميع الفعاليات الاقتصادية ويوضح مختلف العلاقات فيما بينها".
نشأة الحسابات القومية وتطورها:
إن ظهور المحاسبة في شكلها الحديث يرجع إلى عام 1494م حين ظهر كتاب العالم الايطالي لوكا باسيليو الذي أوجد طريقة القيد المزدوج (المدين والدائن). ولكن استعمال هذه الطريقة في التحليل الاقتصادي للوطن كله لم يظهر إلا منذ عهد قريب. ولم يكن التأخر ناجم عن خطأ الباحثين الاقتصاديين وإنما كان يرجع إلى صعوبة تطبيق مبادئ المحاسبة المالية (التجارية) على الاقتصاد كله.
وكما أن تأخر استعمال مبادئ المحاسبة المالية في التحليل الاقتصادي يرجع إلى: أولا عدم توفر المعلومات وثانيا إلى عدم توفر طلب قوي على هذه المعلومات لدى الباحثين الاقتصاديين.
إن مجموع الأنشطة الاقتصادية في بلد ما يمكن التعبير عنه في مجموعة من البيانات والقوائم المالية والإحصاءات الاقتصادية. كما أن تجميع وتسجيل وتصنيف وتلخيص ودراسة وتحليل هذه البيانات والقوائم المالية والإحصاءات وفقا لمبادئ ومفاهيم اقتصادية ومحاسبية للوصول إلى نتيجة معينة صارت تشكل مجموعة قواعد تسمى "نظام الحسابات القومية".
تاريخيا بدأت محاولات إعداد الحسابات القومية من خلال محاولة تقدير الدخل القومي والثروة القومية، وأول ما بدأت في نهاية القرن السابع عشر على يد الكاتب الإنكليزي (غريغوري كينغ) في عام 1696 عندما قام بمحاولة بدائية لتقدير الدخل القومي الإنكليزي.
ثم استؤنفت هذه المحاولات بعد منتصف القرن الثامن عشر على يد الفيزيوقراطيين من خلال الطبيب الفرنسي الشهير (فرانسوا كينيه) في عام 1758 في مؤلفه الشهير "الجدول الاقتصادي", حيث وصف تداول الناتج الصافي بين الطبقات الاجتماعية الثلاث التالية:
1- الطبقة المنتجة أو طبقة الفلاحين والمزارعين.
2- الطبقة الحاكمة أو طبقة الحكام والملاك والصناع والتجار والمستخدمين.
3- الطبقة العقيمة وأصحاب المهن الحرة.وشبَّه سريان الناتج الصافي للهيئة الاجتماعية بالدورة الدموية في جسم الإنسان.
بعد الطبيعيين جاءت المدرسة الكلاسيكية لتضم أولا كلا من (سميث , ريكاردو ومالتوس) ولتضم ثانيا (ماركس). هذه المدرسة هي التي اهتمت بالناحية الاقتصادية الكلية . وعلى الرغم من اختلاف بعض التعابير المستعملة عن بعضها الآخر فان مؤسسيها اهتموا بشرح تشكيل الدخل القومي وكيفية توزيعه بين الفئات المختلفة التي تشكل عناصر الأمة أو الجماعة.
أما الكلاسيكيون المجددون New-Clasiques أمثال منجر و والراس فعلى الرغم من تقدمهم في التحليل الاقتصادي إلا أنهم لم يعملوا عملا جادا على إظهار المحاسبة القومية إلى حيز الوجود, فاهتمامهم كان ينصب على التحليل الاقتصادي الجزئي وعلى المؤسسات الفردية ومشاريعها, وتجاهلوا فكرة المحاسبة القومية التي تعد أداة فعالة لتدخل الدولة في مراقبة النشاط الاقتصادي.
ثم استؤنفت محاولات إعداد حسابات قومية من خلال تقدير الدخل القومي بعد الحرب العالمية الأولى, ولاسيما على يد كل من (كوزنتز) في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1920, و(بولاي وستامب) في بريطانيا في عام 1924.
ثم جاءت أزمة 1929 لتؤكد أهمية تدخل الدولة تدخلا واسعا في المجال الاقتصادي ولاسيما في مجال تحقيق التوازن الاقتصادي العام.
ويمكن القول أن أبرز حدث ساهم في إبراز الحسابات القومية وتطويرها هو النظرية الكينزية عام 1936 عندما نشر (جون مينارد كينز) "النظرية العامة في العمالة والفائدة والنقود", فأوجد الإطار الاقتصادي الملائم لمثل هذه الأبحاث, ولاسيما بواسطة المفاهيم الاقتصادية الكلية التي دفعت دراسات الدخل القومي نحو النمو والتطور.
وقد بين كينز في نظريته العامة المشار إليها كيف انتقل الاقتصاد المعاصر من عهد الوحدات الجزئية إلى عهد الوحدات الكلية.
ومن النطاق الخاص الضيق إلى النطاق العام الواسع, ومن التوجيه الفردي أو ما يسمى بقرارات الفعاليات الاقتصادية الفردية إلى التوجيه العام أو مقررات الفعاليات الاقتصادية العامة التي تتولاها المجموعات والهيئات والمؤسسات والأجهزة المختلفة وعلى رأسها الدولة.
وكان لزاماً على السلطات الحكومية إرساء الأسس والقواعد اللازمة لمثل هذا الاتجاه الجديد, بواسطة جميع الإحصاءات الدقيقة الشاملة المتعلقة بالثروة القومية وبالدخل القومي, وبسائر النشاطات الاقتصادية, ووضع القاعدة الاقتصادية والنماذج الرياضية التي تتمشى مع التطورات الأخيرة.
للمزيد
ليست هناك تعليقات