كتاب: مقرر الاقتصاد الكلي
كتاب: مقرر الاقتصاد الكلي
الواقع أن مواضيع الاقتصاد الكلي تسيطر على
جداول الأعمال السياسية والاقتصادية . فخلال عقد الثلاثينيات ، حين انهار الإنتاج ،
والتوظيف ، والأسعار في الولايات المتحدة ، وفي العديد من دول العالم الصناعية صارع
الاقتصاديون والقادة السياسيون نكبة الكساد العظيم وبعدها، كانت المشكلة هي الحفاظ
على استمرار الانتعاش الاقتصادي ومكافحة معدلات التضخم العالية . ثم بعد ذلك الموضوع
الساخن هو «تعايش الركود والتضخم» - أي اجتماع بطء التنمية مع ارتفاع الأسعار –
وفي بداية عقد التسعينات واجهت صناع السياسة
مجموعة من المسائل المحيرة عن بطء نمو الإنتاجية والأجر الحقيقي ، إضافة إلى ضرورة
موازنة التهديد الذي يفرضه التضخم ، مع ضرورة تأمين الوظائف لجميع الراغبين بها .
طور جون ماينرد كينز ، رداً على فترة «الكساد
العظيم» نظريته الثورية ، التي ساعدت على تفسير القوى المولدة للتقلبات الاقتصادية
، واقترحت منهجاً للسيطرة على أسوأ التجاوزات التي تسببها الدورات الاقتصادية . وبفضل
كينز وخلفائه المحدثين لدينا سياسات اقتصادية كلية – أي السياسات التي تؤثر في العرض
النقدي ، والضرائب ، والإنفاق الحكومي – أن تسرّع النمو الاقتصادي أو تبطئه ، وأن تعيد
موازنة ما تسببه الدورات الاقتصادية من تجاوزات تتمثل في ارتفاعات الأسعار والبطالة
، أو تكبح الفائض الكبير ، أو العجز ، في التجارة الدولية .
إن هدف الاقتصاد الكلي (macroeconomics) هو دراسة السلوك الاقتصادي ككل . فهو يبحث في المستوى الإجمالي لمخرجات
الأمة ، والعمالة ، والأسعار . وبعكس ذلك يدرس الاقتصاد الجزئي (microeconomics) الأسعار ، والكميات الفردية ، والأسواق .
وقد توضح لنا بضعة أمثلة هذا الفارق : الاقتصاد
الجزئي يأخذ في اعتباره ، مثلاً ، كيف يسعر كارتل لمنتجي النفط أسعار نفطه ؛ أما الاقتصاد
الكلي فيهتم بالسبب الذي جعل ارتفاعاً حاداً في سعر النفط العالمي يؤدي إلى التضخم
والبطالة . يدرس الاقتصاد الجزئي مسألة ما إذا كان الذهاب إلى الجامعة ، هو استغلال
جيد للوقت ، أما الاقتصاد الكلي فيبحث في معدلات البطالة بين الشبان البالغين . الاقتصاد
الجزئي في قضايا مفردة من قضايا التجارة الخارجية ، مثل السبب في أننا نستورد سيارات
تويوتا ونصدر شاحنات ثقيلة ، في حين يدرس الاقتصاد الكلي الاتجاهات الإجمالية لمستوردتنا
وصادراتنا .
الاهتمامات الأساسية للسياسة الاقتصادية
الكلية :
شهد عقد الثلاثينيات أول تحرك لعلم الاقتصاد
الكلي ، الذي أسسه جون ماينرد كينز في أثناء محاولته فهم الآلية الاقتصادية التي أفرزت
«الكساد العظيم» . وبعد الحرب العالمية الثانية ، وبعد التفكير في التأثير المتزايد
لوجهات النظر الكينزية ، والخوف من حدوث كساد آخر .
1- العمل على تخفيض
البطالة
تبدي جميع اقتصاديات السوق أنماطاً من المد
والجزر تعرف باسم «الدورات الاقتصادية» . وحين تكون الدورة الاقتصادية انكماشية ، كما
حدث في الركود الاقتصادي خلال الفترة من 199.-1991 هبط إنتاج السلع والخدمات ، وفقد
الملايين من الناس أعمالهم . وخلال جزء كبير من فترة ما بعد الحرب ، كان الهدف الرئيسي
للسياسة الاقتصادية الكلية استخدام السياسة النقدية والمالية لخفض حدّة الدورة الاقتصادية
الانكماشية والبطالة .
اضف إلى ذلك تعاني الدول في بعض الأحيان
من مستويات عالية من البطالة تتواصل رغم التوسع في اقتصادها . فقد عانت الدول الأوروبية
في أوائل عقد التسعينيات بطالة في قواها العاملة بلغت 5 إلى 1. بالمئة استمرت لمدة
تزيد عن سنة . ويبحث الاقتصاد الكلي في أسباب استمرار مثل هذه البطالة المؤلمة . وبعد
تحليل الأسباب المحتملة ، يمكن للاقتصاد أن يقترح العلاجات المحتملة ، مثل إعادة تنظيم
سوق العمل عن طريق خفض الدوافع التي تمنع الناس من العمل ، أو زيادة مرونة الأجر. وتعتمد
حياة الملايين من الناس وثرواتهم على مدى قدرة الاقتصاد الكلي على الرد على هذه الأسئلة
.
2- تحليل أسباب تضخم
الأسعار وبقاءه تحت السيطرة
تبيّن علماء الاقتصاد أن لمعدلات التضخم
العالية تأثيراً سيئاً على اقتصاديات السوق ، فاقتصاد السوق ، يستخدم الأسعار كمؤشر
لقياس القيم الاقتصادية ، وكطريقة لتسيير الأعمال . وخلال الفترات التي ترتفع فيها
الأسعار بسرعة يفقد هذا المؤشر قيمته ، ويصبح الناس مشوشين ، ويرتكبون الأخطاء ، وينفقون
الكثير من وقتهم في القلق من تضخم يبتلع مدا خيلهم . ويقود التغير السريع للأسعار إلى
عدم الكفاءة الاقتصادية .
نتيجة لذلك ، باتت السياسات الاقتصادية
الكلية توكد أكثر فأكثر على استقرار الأسعار كهدف رئيسي. يمكن للاقتصاد الكلي أن يقترح
الدور المناسب للسياسات النقدية والمالية ، ولأنظمة أسعار الصرف ، ولبنك مركزي مستقل
، في احتواء التضخم .
3- زيادة معدلات النمو
الاقتصادي
يهتم الاقتصاد الكلي أيضاً بازدهار البلاد
على المدى الطويل . فتنمية الامكانيات الإنتاجية لدولة ما ، خلال فترة تمتد لعدة عقود
، هي عامل أساسي في تقرير معدل نمو الأجور الحقيقية ومستويات المعيشة . فخلال ربع القرن
الماضي ، جعلت التنمية السريعة في بعض الدول الآسيوية مثل اليابان، وكوريا الجنوبية
، وتايوان متوسط دخل مواطنيها يحلق عالياً . وتسعى الدول إلى معرفة مكونات التنمية
الناجحة . وهل للعجز الكبير في الموازنة ، أو العجز في الميزان التجاري آثار ضارة على
التنمية على المدى الطويل ؟ وما هو دور الاستثمار في الرساميل المادية ، وفي البحث
والتطوير ، وفي الرأس البشري ؟ وهل يجب على الحكومة أن ترعى صناعات الرئيسية عن طريقة
المعونات والسياسة الصناعية ، أم أن من الأفضل اتباع سياسة رفع اليد عن الصناعة ؟
ثمة تعقيدات أخرى تنشأ حين نأخذ في اعتبارنا
هذه المواضيع الرئيسية الثلاث وهي أنه لابد من المفاضلة بين هذه الأهداف الثلاثة .
فخفض العجز في الموازنة قد يعني القبول بمعدلات تنمية أبطأ على المدى القريب . وزيادة
معدل تنمية الإنتاج على المدى الطويل قد يتطلب استثمارات أكبر في مجال المعرفة ورأس
المال ، وهذا الاستثمار سيخفض الاستهلاك النهائي الحالي.
ليست هناك تعليقات